ماذا بعد رمضان ..بقلم :الدكتورة أسماء عبد العظيم محمد 

ماذا بعد رمضان ..بقلم :الدكتورة أسماء عبد العظيم محمد مدرس التفسير وعلوم القرآن

بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بني سويف

يسن صيام ستة أيام من شوال، لترغيب النبي – صلى الله عليه وسلم – فيه, فقد روى مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر”.
فسر العلماء ذلك بأن الحسنة بعشر أمثالها فيكون رمضان شهراً بعشرة أشهر ويكون الستة أيام بمنزلة ستين يوماً وهم شهران, فعلى هذا يسن للإنسان إذا أتم صيام رمضان أن يصوم ستة من شوال.
وليعلم أنها لا تصام قبل القضاء يعني: لو كان على الإنسان يوم واحد من رمضان لم يكن صامه بل صام أياماً منه ما صام الشهر ,والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “من صام رمضان”, فإذا صمت رمضان وصمت ستة أيام بعده من شوال فكانما صمت الدهر كله.
وسواء صمتها من ثاني يوم العيد وأتبعت بعضها بعضاً ,أو صمتها بعد يومين أو ثلاثة أو صمتها متتابعة أو صمتها متفرقة في الأمر سعة, فالإتباع يصدق بالإلحاق متصلاً أو منفصلاً, ويجب الفصل بيوم عيد الفطر، للعلم بحرمة صومه، ومقتضى الإطلاق في لفظة (ستاً) أنه لا فرق في حصول الفضل بين أن تكون متوالية أو متفرقة، لأن المقصود تحصيل ستة أيام عقب يوم الفطر، لتكون بمقتضى جزاء الحسنة بعشر ستين يوماً، وهذا حاصل عند تفرقها وعند اجتماعها.
فائدة اختصاصها بشوال:
قال العلماء: لما كان صوم رمضان لا بد أن يقع فيه نوع تقصير وتفريط من حقه وواجبه ندب إلى صوم ستة أيام من شوال جابرة له ومسددة لخلل ما عساه أن يقع فيه, فجرت هذه الأيام مجرى سنن الصلوات التي يتنفل بها بعدها جابرة ومكملة, وعلى هذا تظهر فائدة اختصاصها بشوال,
هكذا مضت الليالي مسرعة، بالأمس كنا نستقبل رمضان، واليوم نودعه، ولا ندري هل نستقبله عاماً آخر أم أن الموت أسبق إلينا منه، نسأل الله أن يعيده علينا أعواماً عديدة وأزمنة مديدة.
وإذا كنا نودع رمضان فإن المؤمن لن يودع الطاعة والعبادة، بل سيوثق العهد مع ربه، ويقوي الصلة مع خالقه ليبقى نبع الخير متدفقاً،أما أولئك الذين ينقضون عهد الله، فبئس القوم: لا يعرفون الله إلا في رمضان، قد ارتدوا على أدبارهم، ونكصوا على أعقابهم، فلا قيمة لطاعة تؤَدى دون أن يكون لها أثر من تقوى أو خشية، أين أثر رمضان بعد انقضائه إذا هُجر القرآن، وتُركت الصلاة, وانتهكت المحرمات؟!
ومن المعلوم لنا جميعاً أن الله عز وجل لا يريد من سائر عباداتنا الحركات والجهد والمشقة، بل طلب سبحانه ما وراء ذلك من التقوى والخشية له، قال تعالى: (يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183]، وقال تعالى: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَـكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ) [الحج:37].
لقد غرس رمضان في نفوسنا خيراً عظيماً، ومن استفاد من رمضان فإن حاله بعد رمضان خير له من حاله قبله، ومن علامات قبول الحسنة الحسنة بعدها، ومن علامات بطلان العمل ورده العودة إلى المعاصي بعد الطاعات، فلنجعل من نسمات رمضان المشرقة مفتاح خير سائر العام، ومنهج حياة في كل الأحوال.
إن المسلم في رمضان هو المسلم في غير رمضان ، لأن الله تعالى هو رب رمضان ، وهو رب غيره من الشهور ، والمسلم يعبد الله وحده لا شريك له ؛ قال تعالى : { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ(60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } (يس:60-61) .
المؤمنون الصادقون بعد رمضان على حالين: حال الوجل والخوف والشفقة من أن تدفع أعمالهم الصالحة فلا تقبل، فهم يرجون الله ويدعونه ويسألونه أن يتقبل منهم أعمالهم, كما جاء في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي تسأل عن قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} (المؤمنون: 60), أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: ” لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا تقبل منهم {أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون} [المؤمنون: 61] ” أخرجه الترمذي في سننه.
وأما الحال الثانية للمؤمنين الصادقين بعد رمضان: فهي الاستمرار في الطاعة والمداومة على الخيرات وتلاوة القرآن، لقوله – صلى الله عليه وسلم: «سددوا وقاربوا، واعلموا أن لن يدخل أحدكم عمله الجنة، وأن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل» أخرجه البخاري في صحيحه, والله أعلم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى