حرمة الاحتكار بقلم الدكتورة اسماء عبد العظيم

حرمة الاحتكار بقلم الدكتورة اسماء عبد العظيم

مدرس بقسم التفسير بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بني سويف
من أخلاق الإسلام تحريم الاحتكار في المعاملات، لأنه يهدر حرية التجارة والصناعة ويتحكم في حركتها، ويجمد الأسواق، ويفرض على الناس عنتاً في الأسعار، ويحملهم ما لا يطيقون في شراء ضروريات الحياة.
فالاحتكار محرم شرعاً لما فيه من الإضرار بالناس والتضييق عليهم وإلحاق الحرج بهم, أما ما كان الناس في غنى عنه، فيجوز تخزينه حتى يُحتاج إليه فيبذل لهم، دفعاً للحرج والضرر عنهم.
وقد استدل على حرمة الاحتكار بأحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم
(من احتكر فهو خاطئ), أي: عاص آثم , وقوله: (الجالب مرزوق والمحتكر ملعون),
فهذه الأحاديث بما اشتملت عليه من الوعد واللعن تدل على تحريم الاحتكار.
كما أن امتناع المحتكر عن بيع السلعة لمن يحتاجون إليها يكون منعاً لحق مستفاد لهم شرعاً، ومنع الحق عن المستحق ظلم، والظلم حرام.
العقل السليم وقانون الاجتماع البشري ورابطة الأخوة الإنسانية المنوط بها تحقيق خلافة الإنسان في الأرض لا ترضى بهذا العمل لأنه دليل على الأنانية وقسوة القلب وعدم التعاون على الخير .
والأديان كلها تحرِّمه ، لأنها تستهدف سعادة الجماعة في معاشها ومعادها ، بفعل الخير والبعد عن الشر، والإسلام كدين خاتم يحرمه بروحه ونصوصه العامة في التراحم والتعاون على البر والتقوى.
وبناء على ذلك، فإن تخزين السلع الضرورية مثل الأدوية التي يحتاجها مصابي كرونا وعدم بيعها الآن يضر الناس، لعدم وجود البديل لها، مما يضطرهم إلى دفع أكثر من ثمنها المعتاد من أجل الحصول عليها، فهذا احتكار محرم.
ومما يؤسف له ما يحدث للبعض من وفيات نتيجة إرتفاع أسعار هذه الأدوية واحتكارها، وصحيح أنه بقضاء الله وقدره وأنه مقدَّر عليهم، ولكن الأمر ينبئ عن خطر عظيم وآثار سلبية كبيرة.
إن الإنسان الذي لا يشعر بأن عليه حقوقاً وواجبات خصوصاً في وقت الأزمات والشدائد ، لقاسي القلب، خال من الشفقة، بعيد من رحمة الله عز وجل, قال تعالى (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مّنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف:56].
ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على تحقيق التعاون والتراحم فيما بينهم قال صلى الله عليه وسلم: (من لا يرحم الناس، لا يرحمه الله عز وجل),
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم:(الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).
كيف السبيل إلى النجاة من هذا الوباء وفينا من يستغل الأزمات لتحقيق مطامعه, ويحتكر السلع والأدوية, ومن لا يهتم بأمر الناس.
فالواجب على الجميع أن يستشعروا عظم المسؤولية، لأن هذه الحياة هي سفينة النجاة التي نعيش فيها جميعًا، إنْ تركنَا المخربين يخرقونها غرقنا جميعاً، وإن أخذنا على أيديهم نجونا جميعاً بإذن الله.
فيجب علينا مراجعة أنفسنا، وإن كنا مطالبين بذلك في كل وقت فنحن في هذا الوقت مطالبون به كثيرًا، وأن نعود جميعاً إلى الله تبارك وتعالى وأن نتوب إليه، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرفع عنا الوباء والبلاء، وأن يوفق ولاة أمرنا لما فيه مصلحة البلاد والعباد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى