اليوتيوب ما بين الدحيح ودينا مراجيح ! بقلم : محمد العليمي

اليوتيوب ما بين الدحيح ودينا مراجيح !بقلم : محمد العليمى

في زمن اللاضوابط على إعلام الأفراد. نجد قناة على “يوتيوب” تبثّ يوميات مراهقة نفسياً تحبّ أن تأخذنا معها في جولة إلى المرحاض، واخر عديم النخوة يقوم بتصوير يومياته مع زوجتة تلك اليوميات التي اقتربت في الكثير منها لغرف النوم.
فالموبايلات تمطرنا بالترند والمقاطع الأكثر مشاهدةً، فنجد أنفسنا من دون أن نشعر، ننتقل من تفاهة إلي ضحالة وصولاً لسفالة المحتوى غالبا لننتقل من مرحلة “التسلية لأجل التسلية” إلي مرحلة “التسلية لهدم القيم والتقاليد”.

في زحام تلك الفيديوهات التي لا يُدهشك فيها إلّا عدد مُشاهداتها، حاولت ان اجلس بجوار ابني لأتعرف علي ما يشاهد في ظل هذا السيل الجارف من الفيديوهات بعدما تردد لسمعي اكثر من مرة إسم غريب وهو “الدحيح” وإذا بي اجد “محتوىً علمي وممتع في الآن ذاته” لأبدأ رحلة مشاهدتي لتلك الحلقات لكي اتعرف علي ما يشاهده أبنائي وما تتضمنه تلك الحلقات، لأتحول تدريجيا من أب يراقب إلي مشاهد ومتابع للدحيح البرنامجٌ يقدّمه الباحث و”اليوتيوبر” المصري أحمد الغندور، منذ اغسطس ٢٠١٤ ، قبل أن تحصل شبكة AJ+ على حقوق العمل لتبدأ ببثّ حلقاته، وفق هوية بصرية جديدة، في يوليو ٢٠١٧ .

قاموسُ موضوعات الدحيح واسعٌ بما يكفي لأنْ نقول إنّ الكثيرين قد تناولوه، وثائقيات كثيرة حكت عن تاريخ الحربين العالميتين الأولى والثانية … عن صعود هتلر وزعامة الرّايخ وعن حرب فيتنام بالإضافة لموضوعات علمية كثيرة وصولاً لتفشي فيروس كورونا، نعم ما عاد هناك موضوعٌ لم يُكتب أو يُحكى عنه الجديد لكن الجديد دائماً يتعلق بـ”كيفية عرضه وتناوله ؟”.
لعلّ السؤال أعلاه يُمكن أن يدلّ على واحدٍ من مفاتيح نجاح الدحيح، فأحمد الغندور غلّف موضوعات معقّدة، مُشبعة بالأرقام والإحصائيات، بغلاف كوميدي وممتع ، أسّس لما يُقال عنه اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي “العلم الشعبيّ”.

شابٌّ يرتدي الـ”تي شيرت” الرمادية ذاتها، بتسريحة الشعر ذاتها. ألِفه الجمهور، وألِفوا غرفته البسيطة الّتي يطل علينا منها، يحكي متنقّلاً بين كاميرتين اثنتين، متّكئاً على تقنية “Pause – Play” في تصوير الحلقة ومونتاجها، وهو أسلوبٌ يُساعد عقل المُشاهد أن يحفظ معلومةً وينفتح لتلقي أخرى ثمّ يحفظها ثم ينفتح على تلقّي أخرى وهكذا، واثناء ذلك يتوقف الغندور، ويمنحُ عَقل مشاهديه استراحة ليعود وفي يده خيار أو تفّاحة، يأكلها وهو يتابع حديثه عن “الأشعة الكونية” أو “قنبلة المادةًالمضادةً” أو “الاحتباس الحراريّ” وكأنّه يقول لك “لا تأخذ موقفاً مُسبقاً من العناوين الكبيرة، فالموضوع بسيط، ويُمكننا أن نناقشه .
لا يقدّم الدحيح معلومة واحدةً دون أن يذكر مصدرها. اعتداده بهذه الجُزئية يضيف للمحتوي قيمة وثقل.

ولكن ومن دون ذكر أسباب واضحة تعلن شركة AJ+ في ٩ يونيو الحالي فض الشراكة مع الغندور والتوقف عن تقديم واحد من أكثر المحتويات رواجاً في مصر والعالم العربي من دون ذِكر أسبابٍ واضحة للتوقف، كثيرون باتوا يعتبرون الغندور نموذجاً يحتذى به، فالشاب المصري، من مواليد 1994، استطاع أن يصبح واحداً من المشاهير العرب، وأن يقدّم مثالاً عن إمكانية المزاوجة بين طرح محتوي علمي بأسلوبٍ علمي عصري يحقّق نجاحاً بين المشاهدين.

الأكيد أنّ تجربة الدحيح لن تتوقف هنا، وأنّ الاستثمارَ في جماهيرية مقدّمه لن ينتهي في غرفة الدحيح، والأكيد أيضاً أنّ هناك ملاحظات على البرنامج، لكنّ الاحتفاءَ بالمحتوى العلمي يظلّ واجباً دون التطرق للدين أو الغيبيات ، فهو، بدرجة ما، نموذجٌ أبيضُ يوشك أن يصير نادراً في عصرِ “البلوغرز” و”الإنفلوانسرز” و”الفاشينيستاز”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى