ثوب الحكمه بقلم الكاتب الصحفي حسن ابو زهاد

ثوب الحكمة
بقلم
حسن ابو زهاد

ة
لقد لبث الأجداد ثوب الحكمة والبلاغة والتي توارثتها الأجيال فما ابهي نفوس تجلت الحكمة في مواقفها وأصدق قلوبا بالفطنة مشهدها تسير علي خطا التقوي مآربها وبالله تصفي بها الثقل فقد راقت لنا حكاية توالت سردها الأجيال يحكى أن شيخاً كان له أربعة أبناء فلما أحس بقرب أجله أمر أحد خدمه بإحضار أربعة صناديق ذات أقفال فقام الشيخ خفية بدون علم أحد ووضع بداخلها أشياء ثم كتب على كل منها اسم واحد من أبنائه
و بعد ذلك جمعهم وقال يا أبنائي إن الدنيا فانية وإنني قد قسمت بينكم قسمة عادلة و قسمتي موجودة في هذه الصناديق فلتفتحوها إذا وافتني منيتي وليرض كل منكم بما قسمت له وإن اختلفتم فيما بينكم فارجعوا إلى الحاكم الذي أشرت لكم عليه وسمى لهم رجلاً مشهوراً بالحكمة من قضاة العرف
وأسأل الله لكم الهداية و السداد
و بعد أيام توفي الشيخ فاجتمع الأبناء الأربعة وقال كبيرهم
هيا بنا نفتح الصناديق المغلقة وليرض كل منا بقسمه فلما اجتمعوا وفتحوها وجد أكبرهم في الصندوق السيف و خاتم الرئاسة و الراية
ووجد أخوه الثاني الرمل والحجارة
ووجد أخوه الثالث العظام ووجد الرابع الذهب و الفضةعند ذلك اختلفوا فيما بينهم لأنهم طمعوا في نصيب أصغرهم فتذكروا وصية أبيهم بالرجوع إلى الحاكم المشار إليه فقالوا لابد أن نتحاكم إلى القاضي الذي ذكر والدنا و كان بعيداً عنهم فأعدوا العدة للسفر. إليه وخرجوا من قريتهم فلما قطعوا ربع المسافة فإذا بثعبان صغير معترض أمامهم فأهوى إليه أصغرهم ليضربه فأخطأه ففتح فاه حتى كاد يسد الطريق من شدة ثورته ثم إنهم حاولوا الهرب حتى نجو. منه بأعجوبة فلما مضى الربع الثاني وجدوا جملاً في أرض جرداء قاحلة وكان الجمل سميناً لا يظهر عليه جدب أرضه. ثم مشوا قليلاً فوجدوا جملاً آخر هزيلاً في روضة خضراء يانعة فأنكروا حالة. فلما بقي من المسافة القليل وجدوا طائراً يطير حول سدرتين كلما وقع على إحداهما اخضرت ويبست الأخرى فإذا وقع على اليابسة اخضرت و يبست الأخرى.فأدهشهم هذا الأمور فذهبوا وهم في حيرة من أمرهم حتى وصلوا القرية التي فيها القاضي فسألوا عن منزله فلما طرقوا الباب فتحه لهم شيخ كبير ضعيف البصر فسألوه عن القاضي هل هو موجود فقال نعم وهو أخي الأكبر، وهو في تلك الدار و أشار إلى دار مجاورة فذهبوا إليه و هم في دهشة كيف سيقضي بيننا وهو شيخ هرم فان،فإنه لا يستطيع القضاء بيننا إذا كان هذا أخوه فكيف هو فلما طرقوا الباب فإذا امرأة حيية فسألوها عن القاضي فقالت نعم ادخلوا إلى المجلس حتى يأتيكم فدخلوا عنده وعند انتهاء القهوة دخل عليهم فسلم فكان رجلاً نشيطاً قليل الشيب مكتمل القوة فلما أكرمهم قال كبيرهم أيها الشيخ جئناك لمسألة واحدة لكنها في طريقنا إليك صارت خمس مسائل فقد وجدنا أربع مسائل أدهشتنا و حيرتنا فقال هاتوا المسائل الأربع التي اعترضتكم في طريقكم ثم اعرضوا علي مسألتكم التي جئتم من أجلها. عسى الله أن يوفقني و إياكم لحلها قال كبيرهم أما المسألة الأولى عندما سرنا إليك وجدنا ثعباناً صغيرا فلما هاجمه أحدنا فتح فاه فكاد يسد الطريق علينا لولا أننا تسللنا منه لواذاً لما استطعنا هرباً منه قال القاضي هذا يا أبنائي الشر أوله صغير يستطيع كل شخص مجانبته فإذا دخل فيه كبر و استفحل ثم قال هاتوا يا أبنائي الثانيةفقال المتكلم منهم المسألة الثانية أنا لما سرنا وجدنا جملين الأول منهما كان يرعى في روضة جرداء قاحلة و حالته سمينة والثاني منهما يرعى في أرض خضراء ممرعة وحالته هزيلة فعجبنا من حالتيهما، فأخبرنا عنهما
قال القاضي أما الجمل الأول وهو السمين القانع بما أعطاه الله فينتفنع بما في يديه فارتاح في دنياه.
و أما الثانية فهو الرجل كثير المال عنده خيرات كثيرة من المال و الولد لا يشكر ربه على ما أعطاه فلا ينتفع بشيء أبداً ثم قالهاتوا الثالثة فقال المتكلم منهم ثم لما سرنا فوجدنا طائراً عنده سدرتان إذا وقع على أحدهما اخضرت و الأخرى يبست وهكذا دواليك
فقال القاضي نعم يا أبنائي ذاك الرجل المتزوج زوجتان إذا ذهب أتى واحدة غضبت الأخرى فإذا جاءها رضيت و غضب الأخرى وهكذا شأنه كله ثم قال المتكلم منهما. و المسألة الرابعة حينما دخلنا القرية سألنا عن منزلكم فأرشدنا لمنزل أخيك الأصغر فوجدناه شيخاً هرماً فلما سألناه عنكم، قال إنه قريب ولكن داره هناك، فلما جئنا إليكم ازداد عجبنا حيث رأيناك ما شاء الله بصحة و عافية متعك الله بهما،فما سر صحتك مع أنك أكبر منه وهو أضعف منك بكثير
قال القاضي أما ما وجدتموه من حال أخي الاصغر فإنه يرجع إلى أن عنده امرأة سليطة اللسان بذيئة المنطق فهي تسلخ منه كل يوم عسى الله أن يفرج عنه ما هو فيه
و أما انا فإنني والحمد لله على ذلك أعيش عيشة هنية أسأل الله أن يحفظها علي فزوجتي صالحة حيية أمينة فأنتم جئتم و كنت نائماً فلم توقظني حتى جهزت القهوة و كل ما تحتاجونه ثم أيقظتني فجئت إليكم و أنا نشيط مرتاح والحمد لله على ذلك، فذلك سر سعادتي قال المتكلم منهم و الخامسة وهي مسألتنا فنحن أبناء شيخ قبيلتنا و سموا له قبيلتهم و قالوا لما توفي والدنا قسم حظوظنا من أمواله بيننا ووضعها في صناديق لا تفتح إلا بعد موته فلما مات فتحناها فوجدنا في كل صندوق اسم واحد منا و في
الأول منهاالسيف و ختم الرئاسة و الراية ووجدنا في الثاني الرمل و الحجارة ووجدنا في الثالث العظام
ووجدنا في الرابع الذهب و الفضة
فاختلفنا عند ذلك وكان أبي أوصانا أن نرجع إليكم فها نحن قد جئنا إليكم، لتحكم بيننا بما أراك الله و نسأل الله أن يوفقكم للعدل و الإنصاف ونحن مستعدون بتنفيذ ما حكمت به بيننا إن شاء الله تعالى
فقال القاضي لقد كان أبوكم حكيماً يا أبنائي فلقد أعطى كل منكم ما يستحقه فمن كان نصيبه السيف و الختم و الراية فهو شيخ القبيلة سلف لأبيه و عليكم السمع و الطاعة له و أن ترجعوا إليه في كل أمر من أموركم و من كان نصيبه الرمل و الحجارة فله العقار و البيوت و الأراضي هكذا كانت علوم الحكمة والفطنة التي حلت المسائل المعقدة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى