اشرف عبدالله يكتب: بعثة لليابان

بعثة لليابان

بقلم أشرف عبدالله

 

 

((( بعثة لليابان )))
وقف ( انيموتو كاوازاكى ) مسئول العلاقات الخارجية بوزارة التعليم اليابانية أمام البعثة المصرية المكونة من 15 فرد ( تم انتقاؤهم بعناية من بين أقارب المسئولين وذوى الشأن بالوزارة ) لنقل الخبرة اليابانية في التعليم لمصر .

 

رحب بهم وتمنى لهم إقامة سعيدة وموفقة في بلده وأن يعودوا لمصر حاملين معهم مشاعل التغيير ورايات التطوير ومبيدات الفساد والرجعية .
ثم أردف قائلا بلغة عربية فصحى مكسورة المتن غير مستقيمة السند :
” في البداية نود أن نقوم الآن بتجربة هامة وأساسية سنتخذ على إثرها قرارات كبيرة بشأن طريقة تدريبكم هنا في اليابان “

 

تلفت المتدربون لبعضهم البعض وأخذوا يتهامسون …..
• تجربة ايه هو احنا لسة ابتدينا ؟!
• خدوا بالكم الجماعة دول سخنين قوى وحياتهم كلها شغل ….
• ايه ده ..!! اللى ما جاب سيرة الفندق ولا الاقامة ولا الوجبات حتى …
• وإلا ( البوكيت مونى ) وهو يا ترى هيكون بالين والا بالدولار ؟

 

نظر اليهم بابتسامة خفيفة ثم قال : ” سنستمع لكل أسئلتكم ولكن بعد الاختبار ”
قامت مساعدته بتوزيع ورقة وقلم على كل متدرب
ثم قال لهم :
” تعلمون أنكم خمسة عشر متدربا ولكنكم في الأصل ستة عشر . هناك شخص آخر له خصوصية كبيرة وصل الى هنا بعدكم بقليل . وهو الآن يجلس خارج القاعة ولا يرغب في الدخول لسبب ما لا نعرفه . حاولنا معه كثيرا لكنه رفض . ولأنكم مصريون وتعرفون بعضكم البعض نود من كل شخص منكم أن يكتب في ورقته ( باللغة العربية طبعا ) – تنفس أغلبهم الصعداء بنفس واضح – ( لماذا لم يدخل هذا الشخص للقاعة من وجهة نظركم ؟ ). لديكم خمس دقائق . تفضلوا ………….

 

فكر كل متدرب قليلا ثم بدأوا يكتبون بطلاقة و حرية و سرعة غريبة …
بعد انتهاء الدقائق الخمس تم جمع الأوراق وبدء في قراءة بعضها عليهم ….
 كتب أحدهم : (من المؤكد أنه شخصية هامة وجاء الى هنا ليراقبنا و يراقب تصرفاتنا ويقوم بمجازاة كل من يتجاوز . هذه هي سمات وزارتنا الجليلة .. )
 وكتب آخر : ( ده اكيد خجول ومكسوف يدخل ، ما هي دي الاشكال اللي بتيجى بالواسطة …)
 وكتب ثالث : ( ده أكيد من السفارة هنا وجاي ياخد البطايق بتاعتنا ويعمل تحرى عننا هو مش عارف احنا مين وتبع مين ههههههههههههه ؟!)

 

 وكتب رابع : ( حتما هو مدربنا ويرغب في أن يأخذ عنا انطباعا في البداية قبل أن يقوم بتدريبنا …. )
 وكتب خامس : ( أكيد مبيعرفش يابانى ….. وفكر شوية و بعدين شطبها لأنه هو نفسه ميعرفش يابانى )
 وكتب سادس وسابع وعاشر وهكذا ……
وبعد أن انتهى ( أنيموتو ) من القراءة قال لهم هيا بنا لنقطع الشك باليقين ، تعالوا لتروه بأنفسكم و لنسأله سويا …

 

خرجوا جميعا و إذا بهم يتفاجئون بعدم وجود أي شخص بالخارج . كرسي فارغ فقط .
نظروا لبعضهم البعض منهم المتفاجئ والمبتسم والمتهكم . فقاطع ( انيموتو ) كل هذه المشاعر و الانطباعات بكلام حاد و صلب :
(حقا لا يوجد أي أشخاص هنا و لم ينتظر أحدكم ليرى ذلك ويحكم بعدها . ولكنكم تسابقتم في الحكم على شخص حتى قبل أن تروه . أنتم هكذا – أيها المصريون – لا تحبون الجديد ولا ترغبون في أي تغيير . سريعون جدا في الحكم على الأشياء و الموضوعات و الأشخاص وحتى الأفكار بدون أن تعطوا لأنفسكم الفرصة للتعرف عليها وتجربتها ، حتى تحكموا بصورة سليمة ويكون لحكمكم هذا منطق واضح ونظرة سليمة . فبمجرد أن تقوم أي هيئة أو وزارة بتجربة نظام جديد و طريقة جديدة تكيلون لها الاتهامات ( دى سرقة / ده نصب / دى فزلكة / عاوزين يصرفوا شوية فلوس ) مع كامل اعترافكم بأن النظم القديمة أصبحت بالية و تحتاج للتغيير والدليل نتائجها التي أوصلتكم لهذا بعد أن كنتم قادة العالم ومعلميه .

 

 دعوا كل جديد يعش بينكم ….
 اتركوا له الفرصة لينموا ….
 و يكمل دورة حياته الأولى فقط على الأقل ….
 و بعدها احكموا عليه إما بالاستمرار …..
 أو بتجربة مولود فكرى آخر ……
 عسى أن يأتي يوم …..
 تستردون فيه هيبتكم …..
 التي أهدرتموها بكامل إرادتكم ….

 

ثم تم اتخاذ القرار بعودة البعثة كاملة على أن تقوم الوزارة بإرسال بعثة أخرى ممن يستحقون تلك الفرصة ولديهم فكر ورأى وهم كثيروووووووون فى مصر لكنهم في الظل .
أما في مصر …..

 

فمازالت الوزارة حتى الآن تبحث عن الشخص السادس عشر وبعد محاولات حثيثة لم يعثروا عليه وكتبوا في خانة ( الملاحظات ) مفقود و تم إرجاع بدل السفر الخاص به لخزينة الوزارة .
إمضاء ثم ختم شعار الجمهورية
تم

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى