البشمهندس أيمن يكتب …الداء …و.. الدواء

البشمهندس أيمن يكتب …الداء …و.. الدواء
عندما أوشكت ساعات عمل الطبيب ..بعيادته الخاصة على الانتهاء ووهنت معها قدرته على الاستمرار فى العمل , أبلغه مساعده بانتظار آخر مريض , الذى كان رجلا وقور الهيئة وقد علا الشيب جوانب رأسه وسرعان ما جلس الى الطبيب واصفا اياه شكواه الجسدية , وبعد أن فحصه الطبيب واستمع الى شكواه لم يجد لديه ما يفسر أسباب هذه الشكوى فقد كانت صحته الى حد كبير جيدة مقارنة بمن هم فى مثل عمره …وبالنهاية لم يجد الطبيب حلا سوى أن يكتب لمريضه بعض المهدئات والفيتامينات المعتادة فى مثل هذه الحالات .. وودع مريضه على موعد بلقاء آخر لمتابعة حالته , و استمرت زيارات المريض الى الطبيب كما استمرت معها شكواه كما هي حتى أيقن الطبيب أن أسباب الشكوى ليست جسدية ولكنها نفسية بشكل كبير , فطلب من مريضه أن يصارحه بتفاصيل حياته وأحواله لعله يجد فيها شيئا ينير طريق الشفاء , وتحدث المريض باقتضاب أول الامر لكنه سرعان ما أطلق العنان للسانه ليخرج ما يثقل كاهله طوال سنوات مضت , ولم يصدق الطبيب ما تسمعه أذناه عن المصاعب التي تحملها الرجل من الجميع ..حوله , وأدرك الطبيب أن العلاج لن يكون بالأمر اليسير فليس من المعقول أن ينقلب المريض على كل من حوله فجاءة ليزيح عن صدره ما يثقله و تتحرر نفسه من الكبت والهموم , وبعد أن تحدث المريض طويلا ….سأل الطبيب هل أجد لديكم علاجا لمرضى الذى أعانى منه ؟؟
فأجابه الطبيب .. هل تستطيع أن تتخلى دورك البطولي الذى تعيشه الآن لتنقذ نفسك مما أنت فيه ؟؟؟ فأجابه المريض بالنفي ….مردفا ..ان محاولتي التملص مما أنا فيه صعبة وربما تكون النتائج عكسية , فقال الطبيب اذن.. لا.. دواء لك عندي …واعلم ..أن الدواء لا يكون بسيطا.. مستساغ الطعم .. في معظم الاحوال بل أحيانا يكون شديد المرارة.. واحيانا أخرى شديد القسوة كإجراء جراحة لبتر أحد الاطراف بالجسد للمحافظة على الحياة نفسها…عليك…اذن .. أن تختار لنفسك …هل ستقبل بالدواء المرير أم تتحمل المرض فى صمت .؟؟؟..
..و غادر المريض ..وهو فى حيرة من أمره .. وقد أيقن الطبيب أنه لن يعود ثانية .. ولكنه بعد فترة أطل ثانية في زيارة غير متوقعة للطبيب الذى بادره بتكرار جوابه السابق ..ولكن المريض.. أجابه انه لا يريد دواء .. بل يحتاج الى .. طبيب يرتاح اليه ويستمع الى شكواه فقط … لعله يجد في بث شكواه ما يريح كاهله .. فأدرك الطبيب أن مريضه قرر أن يتعايش مع مرضه حتى النهاية .. وتكررت زيارات المريض الى طبيبه حتى تحولت الى نوع من الألفة والصداقة , واستمر الأمر كذلك حتى كانت آخر زيارة للمريض الذى صارح طبيبه بشكه أنه ربما تكون هذه هي آخر زيارة له.. فتعجب الطبيب متسائلا ..هل بدر منى ما يسيء اليك ؟؟؟ فأجابه المريض كلا …على الاطلاق ولكنه مجرد احساس ..شكرا لك على كل حال ..وغادر المريض للمرة الاخيرة , ومضت الأيام مسرعة حاملة معها الكثير من أحلام البشر وأحزانهم ..وآجالهم . كذلك .. وذات مساء حضر شاب الى عيادة الطبيب حاملا معه خطابا .. وعرف نفسه الى الطبيب بأنه الابن الأكبر لذلك المريض ..ناعيا والده .. الذى أوصاه أن يحمل رسالته و شكره الى الطبيب , ودمعت عينا الطبيب وهو يقرأ رسالة مريضه المتوفى و التي كتب فيها ..
طبيبي و صديقي العزيز .. شكرا لجهودك الصادقة معي في مرضى الأخير … اكتب اليك بعد آخر لقاء بيننا و أشعر أننى لن القاك ثانية ..ولكنى أردت أن أنقل اليك خلاصة تجربتي فى الحياة. لعلها ..تنير الطريق لغيرى … ..لقد وجدت للناس فى حياة كل منا… اشكالا مختلفة فبعضهم .. كالدواء بمختلف درجاته.. .من المستساغ الطعم …حتى شديد القسوة منها .. وبعضهم…كالداء..بمختلف درجاته.. كذلك ..من الحالات البسيطة …. حتى الداء..الذى لا علاج له …الا..أن.. تتعايش معه ..ولكل منا .. رزقه.. من الداء .. والدواء

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى