د. محمد البحر يكتب .. “كورونا بين الحظر والحذر”

د. محمد البحر يكتب .. “كورونا بين الحظر والحذر”

يسـود العالم كله بصفـة عامـة ومصـر بصفـة خاصـة الجدل حول تداعيات الإصـابـة بفيروس كورونـا المستجد وأساليب مواجهة الوباء وتأثيره على حياة المواطنين. ومن المعروف أنه في الآونـة الأخيرة تباينت وجهات النظـر حول كيفيـة التعامل مع الأزمـة الراهنـة. حيث ظهر حزبان يتبنى كل من وجهـة النظر الخاصـة به.
الحزب الأول يتبنى رأى رجال العلم والصحة، ويدعو إلى أولوية الحفاظ على صحة وحياة المواطنين بالعزل شبه الكامل والتباعد الاجتماعي، ولو على حساب النشاط والحركة الاقتصادية..
والحزب الآخر يتبنـىرأى رجال الاقتصاد والمال ويدعو إلى الحد من إجراءات العزل والحَجْر على حركة المواطنين بهدف حماية الأداء الاقتصادي واستمرار حركة الاقتصاد والتجارة.

في ظل الجائحـة فرضت كل دول العالم بصورة أو بأخرى سياسات وقيودا على حركة المواطنين، وتنوعت من فرض حظر التجوال الكامل وتوقف لكل الأنشطة ما عدا المتعلقة بالصحة والغذاء والبنية التحتية إلى دول طبقت قيودا محدودة على بعض الأنشطة وتركت أغلب الأنشطة لتحدد اختياريا من الأفراد مع التنبيه على أخذ التدابير الاحترازية للوقاية والحد من انتشار الفيروس.
وبرغـم ما سبق ورغم كل السياسات الاحترازيـة على مدار الأشهر القليلة الماضيـة إلا أنه لا تزال أعداد الإصابـة بالوباء في ازدياد مستمـرخاصـة في ظل عدم التوصل إلى علاج أو مصل فعال حتى الآن والذي من المتوقـع أن العالم في حاجـة للمزيد من الوقت لاكتشافه ’ الأمر الذي تسبب في إدراك معظم حكومات العالم أن ما يتم اتخاذه حاليا من إجراءات داخلية وخارجية للوقاية من احتمالات تفشى الوباء بشكل أكبر إلا أنه أيضا له تأثير سلبي على دخول الأفراد والحفاظ على وظائفهم وكذلك الاقتصاد بصفة عامة. ومن ثم أطلقت هذه الحكومات برامج مساندة لقطاعات الاقتصاد التي تعرضت لأضرارجراء إجراءات الحظر. وتنوعت هذه البرامج في حجمها وتأثيرها بناء على إمكانات هذه الحكومات. فكانت بعض برامج الدعم موجهة إلى زيادة حجم السيولة في الأسواق وتخفيض تكلفتها، وكذلك مساندة للشركات والأفراد لزيادة تغطية مصروفات التشغيل والتوظيف بغرض الحفاظ على الوظائف والحد من نسب البطالة المتزايدة.
والآن بعد مرورحوالى ٣ شهور على بداية هذه الأزمة، التي تحولت من أزمة صحية محدودة في الصين إلى وباء انتشربكل بلاد العالم، الكل يعلم أن النهاية الحقيقية للوباء هي إيجاد الدواء الفعال والمصل المؤكد. وحتى بلوغ هذه المرحلة كل ما يمكن عمله هو تخفيف آثار الوباء، والعلاج الجزئي للمصابين. وهذا كان سبب الحظر وإبقاء الناس في المنازل، وهو إتاحة الفرصة لمنظومة الصحة في كل الدول للتعامل مع تخفيف آثار الوباء وتقديم العلاج الجزئي للأعداد المصابة.. وقد لوحظ بشكل مؤكد أسلوب انتشار وتأثير الوباء، حيث أن الإصابة تكون أشد ضررا وقاتلة في أغلب الأحيان في فئات معينة من السكان. وهي الفئات المتقدمة عمريا فوق الـ ٦٥ وكذلك الأفراد أصحاب الأمراض المزمنة ووصلت نسبة الوفيات من هذه الفئات إلى ما يزيد على 70%، وفى نفس الوقت تدهورت الحالة الاقتصادية من جراء توقف النشاط الاقتصادي في كل المجالات تقريبا. كما ارتفعت مستويات البطالة بشكل ملحوظ.واضطرت الدول إلى تحمل ما لا تطيق من مصروفات وعجز بالموازنات العامة. وبدأ الإنتاج والتوزيع يعانيان من شلل يتوغل يومًا بعد يوم. وأصبح يلوح في الأفق الكساد والانحسار الاقتصادي..
نظرا لكل العوامل السابقة، أصبح الآن من الضروري إيجاد الصيغة المناسبة للتعامل مع الأزمـة الحالية وبشكل سريع.
والسؤال الآن حول كيفية الخروج من وضع الحجر الصحي والتوقف الممتد في كل أنشطة المجتمع إلى منظومة جديدة تتيح العودة التدريجية لما هو طبيعي مع الحفاظ على حياة المواطنين، وضمان عدم الانهيار الكامل للاقتصاد.

ولحسم الجدل حول إمكانية تحقيق تلك المعادلة الصعبـة هو الالتزام التام بتطبيق بعض القواعد في حالة إعادة النشاط الاقتصادي..
يجب أن تكون الحفاظ على صحة وحياة المواطنين، محل اعتبار وتدقيق في كل الخطوات التي سوف يتم اتباعها.
يجب إدراك أهمية عودة النشاط الاقتصادي للمجتمع وفهـم أن ذلك مسألة حياة واستقرار. ويجب أن تدرس كل البدائل والقرارات والسياسات لإتاحة هذه العودة بأحسن الطرق المتاحة في هذه الظروف.
الحفاظ على ممارسة قواعد التباعد الاجتماعي واستعمال وسائل واقية والحفاظ على مسافات بين البشر، مع توفير ما يتيح تطبيق تلك القواعد.
الفئات الأكثر تعرضا للإصابة والوفاة من كبار العمر وأصحاب الأمراض المزمنة، يجب توفير برامج متكاملة للحفاظ عليهم ووقايتهم من المرض. وهذه البرامج تشمل العزل المناسب في منازلهم مع إيراداتهم وكرامتهم واحتياجاتهم، وتوفير الرعاية الصحية لهم وإعطائهم الأولوية.
الاستمرار في رفع كفاءة المنظومة الصحية حتى تستطيع أن تتعامل مع التحديات التي يفرضها الوباء، وتوفير الموارد البشرية والمادية، مع التركيز على ظروف عمل القائمين عليها من أطباء وممرضين وإداريين وتوفير الحماية والعائد المناسب لهم.
يؤكد الخبراء على أن النموذج الأمثل للتعامل مع الأزمة الحالية هو استخدام «التباعد الاجتماعي» المتقطع. بمعنى أن يتراجع حظر التجوال عند انخفاض الحالات إلى مستوى معين، وترتفع التدابير الاحترازية عند تخطي الحد المسموح به لعدد الحالات، وذلك لضمان عدم إنهاك نظم الرعاية الصحية، إبان عملية بناء «الحصانة الجماعية».
لذا ستتيح هذه القواعد عودة الحياة الاقتصادية والاجتماعية بقدر يسمح بالحفاظ على كيانات المجتمعات للفترة التي سوف يتطلبها الوصول لعلاج كامل للوباء.

وفى مجال صناعـة الدواء يختلف الأمر بشكل كبير خاصـة بعد انتهاء أزمـة كورونـا …
لذا وجب علينا ليس فقط التفكير في إمكانية العمل عن بعد ولكن أيضا وجب التفكير في كيفية استعداد وقبول العملاء سواء أكان (الطبيب – الصيدلي – الموزع) للشراء عن بعد.

تـرى ’’ هل العميل مستعد لتقبل فكرة التسويق والشراء عن بعد؟ تتوقف الإجابـة على هذا التساؤل على عوامل عدة منهـا:
(المستوى المعيشي -المستوى الثقافي -المحفزات الشرائية للطبيب أو الصيدلي على حد سواء والمعوقات التي تدفعه لعدم قبول المستحضر – توقع ردود الافعال عند عرض المنتج -أسلوب عرض مميزات وعيوب المستحضر – المنتجات المشابهة ومميزاتها ومشاكلها مع السوق) ستجني معرفـة وتحليل النتائج والتعامل معها والمتابعـة المستمرة-أرباحا خيالية
ومع تحليل العناصر السابقة نجد أن:
الكثير والكثير من العملاء ما زالت تحتاج إلى التواصل الشخصي مع ممثلى الدعاية الطبيـة لفهم المزيد من تفاصيل المستحضر والمناقشـة حول ما يميزه عن المستحضرات البديلة. فالإقناع المباشـر هنا هو العامل الأساسي في إتمام المحادثـة البيعيــة.
بينمـا البعض الآخر من العملاء على استعداد تام للتواصل مع شركات الأدويـة عن بعد من خلال المواقع الإلكترونية للشركـة أو من خلال شبكات التواصل الاجتماعي حيث يرى الطبيب أن هذا الأسلوب يوفر الوقت والتكلفـة ويحقق درجـة أعلى من الأمان من حيث تحقيق فكرة التباعد الاجتماعي والتي من المتوقـع أن تسود العلاقات والتواصل في المستقبل.
وتظل طبيعـة التواصل بين (الأطباء والصيادلة ومسؤولي القطاع الطبي) مع شركات الأدويـة تتأرجح بين ذاك الاحتمالين.

هل سينتصـر العنصـر البشـرى؟ أم تنتصـر التكنولوجيا الرقميــة؟ أم أن الشركات ستلجأ إلى المزج بين الاحتمالين تبعـا لطبيعـة العميل واستعداده.

د محمد البحر مدير التدريب بشركة سيجما للصناعات الدوائيه

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى