البيشمهندس يكتب …فرحان  ….

البيشمهندس يكتب …فرحان  ….
الحياة مليئة بالأسرار ، ربما كانت أعجب مما تجود به خيالاتنا ، مع نسمات الصباح ، تنطلق النداءات تبحث عن “فرحان”، جاهداً يرد بإعاقة ظاهرة تعوق صوته، وينطلق ملبيا طلبات السكان في المبنى الذى يقطن بأسفله بغرفة متواضعة ويعمل به حارسا، اعتاد الجميع معاملته كأنه واحد من الاسرة ، وهو لا يمل من تلبية طلباتهم، لا ينتظر اجرا على خدماته من احد إًلا ما تجود به الناس عليه، وبعد ما تهدأ الحركة الصباحية المعتادة، يجلس ويستند بظهره الى البيت، كأنما يحتمى به من مجهول بعيد، يلتقط أنفاسه اللاهثة، يجفف حبات العرق المتساقطة عبر أخاديد آثار الزمن على وجهه، يرتشف كوب الشاي، يزدرد بعض لقيمات، ينظر الى الفضاء ويبتسم.
سرعان ما تدور عجلة الحياة في الشارع ، وتبدأ الاصوات من جديد ترتفع باحثة عن “فرحان”، الذى يسارع لتلبية نداءات الجميع، بعض اصحاب المحلات يعتبرونه عاملا غير منتظم لديهم، يحتاجونه لتحميل بضاعتهم على العربات أو لتفريغ حمولة تلك العربات، وهكذا طوال اليوم يتنقل فرحان بين العمل لتلبية طلبات السكان و أصحاب المحلات، تعلوه وجهه دائما ابتسامة الرضا بحاله، لا يتذمر ولا يشكو من شيء ، لا يعبأ احد لوجوده إلا عند الحاجة اليه، ربما لذلك كان محبوبا من الجميع.
ذات مساء وبعد ما انتهى من مهامه المعتادة ، جلس كعادته متأملا زحام الشارع وصراع الناس نحو لقمة العيش، توقفت سيارة أحد سكان العمارة وكان عجوزا ضعيف البنية فاسرع “فرحان” لمساعدته ولكن العجوز سقط من الاعياء، وسرعان ما توافد الجيران وقام احدهم بالاتصال بالإسعاف، ولكن أبناء العجوز لم يصبروا لحضور الاسعاف، فأسرعوا بنقله الى مستشفى خاص، و انفض الجمع سريعا ، وعاد فرحان الى جلسته المعتادة، وفى تلك الأثناء وصل رجال الاسعاف، وسألوا عن المريض وصاحب البلاغ، لم يجد الأخير مفراً من ورطته تلك إلا أن يشير بخبث الى فرحان، وقد أيقن في نفسه أن الأمر لن يزيد عن دقائق ،سيمر كدعابة بطلها فرحان، ينصرف بعدها رجال الاسعاف،
وهذا ما كان بالفعل، انتظر صاحب البلاغ دقائق قليلة، انصرف بعدها رجال الاسعاف ، بعد أن أبلغوه بوفاة “فرحان”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى