https://www.google.com/adsense/new/u/1/pub-7729647776385016/payments/verification

البيشمهندس يكتب …..الشاويش عطيه

البيشمهندس يكتب .....الشاويش عطيه
البيشمهندس يكتب …..الشاويش عطيه

البيشمهندس يكتب …..الشاويش عطيه
الحياة هي اعظم المؤلفين، والبشر هم أبطال حكايات الحياة، فمع نسمات الصباح تدب الحياة في أوصال الشوارع والحوارى، رويداً رويداً يعلو ضجيج البشر المختلط في كل نواحي الحياة، وترتفع أصوات الجيران التي تضج بالصياح اليومي المعتاد الذى ترفعه الامهات في الغالب تهديدا للرد على مشاكل الاولاد اليومية، وفى الدور الأرضي لأحدى البنايات القديمة بإحدى حارات حي “السيدة زينب” العتيق بالقاهرة، يعلو صوت الشاويش “عطيه”، وهو اللقب الذى اطلقه “الاسطى فوزى” الترزى الحريمي على زوجته “عطيات”.
كان الاسطى فوزى في العقد الخامس من عمره، متوسط البنية هادئ الطباع، ويعشق اللهو والسهر كما يعشق زوجته واطفاله، ويكره الجد وتحمل المسئولية، ويزداد تمسكاً بالحياة كلما شعر أنها تتفلت من بين يديه، ويقضى يوم عمله منكباً على ماكينة الخياطة أو يقص ويفصل قطع القماش على الطاولة الوحيدة بالصالة، وهو يدندن طوال الوقت مع الأغاني المنبعثة من الراديو القديم القابع بجواره على الطاولة بالقرب منه كي يتحكم فيه كيف شاء، وهو الشيء الوحيد الذى يتحكم فيه بهذا البيت، ولا يعلو له صوت إلا وهو يطلب الطعام من زوجته.
أما الزوجة فهي ربة المنزل، تحاول جاهدة تدبير أمور حياتها بدخل زوجها البسيط، ويتوزع وقتها بين رعاية بناتها الأربع و القيام على شئون الخدمة في بيتها ومساعدة زوجها “الاسطى فوزى”, وكانت على العكس من زوجها فهي ذات شخصية قوية مسيطرة، أجبرتها ظروف حياتها وخوفها على بناتها من تصاريف الايام على مجابهة الحياة وتدبير أمورها بنفسها، وبرغم صعوبة الايام، فهي لم تكن تخلو من ساعات مرحة بسيطة بطلها الأوحد هو زوجها “الاسطى فوزى”، فكانت تمرح معه بعض الوقت وتتعجب كيف وافقت على الزواج من هذا الطفل الكبير، فبرغم جمالها الذى مازالت بعض معالمه واضحة عليها ورفضها العديد من الخُطاب ميسوري الحال إلا إنها وافقت على الزواج منه، فهل كان رفضها لمن سبقه من الخطاب بسبب خوفها من الفشل مع زوج قوى يهدد عرش سيطرتها ولا ينصاع لتعليماتها، ربما كان الامر كذلك، ولكن المؤكد أن مرح زوجها كان هو السر في توازن الامور ونجاح سفينة هذا الزواج في الابحار بسلام .
تمضى الايام على نفس الوتيرة، وبرغم صعوبتها كان الزوج دائم الالحاح على زوجته برغبته في انجاب ولد، ليحمل اسمه ويكون سنداً لأخواته البنات من بعده، وكانت الزوجة تراودها تلك الرغبة أيضا وان اظهرت بكلماتها اللاذعة عكس ذلك، وذات يوم شعرت الزوجة بأعراض تشبه أعراض الحمل، فسرعان ما تأكدت بطريقتها الخاصة أنه الحمل ، وشعرت بفرحة من داخلها، فلعله الولد الذى حلمت به ورغب فيه زوجها، وحزنت أيضا فكيف سنواجه زيادة المصاريف، ونحن بالكاد نكافح لنجد تكاليف المعيشة اليومية، واخذت تفكر هل تخبر فوزى زوجها أم تنتظر لتتأكد أنه ولد وليس ابنة خامسة، ثم غالبت فرحتها وآثرت الانتظار لفترة لحين التأكد.
بعد فترة التأكد ، أخبرت زوجها لعله يجد حلا ، ويتسلف بعض المال من أحد اصدقائه المتيسرين، لتقصد الطبيب لتطمئن على وضعها، وبالفعل حدث ما توقعته، فقد فرح زوجها فرحا كبيرا، واخذ يصيح كالأطفال، وأكد الطبيب التوقعات بقدوم الولد وان كان قدومه سيكون صعباً بعض الشيء نظرا لكبر سن الام، وأوصى بضرورة ولادتها بالمستشفى تحسباً لظروف حالة الام الصحية.
مضت الايام مسرعة، تحمل معها الفرح بالقادم الصغير ، كما تحمل هم تدبير المصاريف اللازمة لهذا الفرح، ولذلك أصرت “عطيات” على متابعة حالة الحمل مع “القابلة” إحدى سيدات الحارة المعروفة بخبرتها في هذه الامور، والاستعداد للولادة بالمنزل، تجنباً للاستدانة مرة اخرى.
اقترب موعد الوضع ، واستعد الجميع للحدث المنتظر وحضرت “القابلة” مع بعض سيدات الحارة وظللن مع الام لمساعدتها على الوضع الى أن تم الامر بسلام، وإن كانت أعراض التعب والاعياء ظلت واضحة على الزوجة, أما الزوج فكاد يطير من الفرح ولا تكاد قدماه تلامس الارض وعمت الفرحة الاولاد والجيران الذين تهافتوا على “عطيات” لتهنئتها و خدمتها فى هذه الظروف الخاصة، ومضت عدة ايام بعد الوضع والصغير لا يكاد يفارق صدر أُمه التي لم تتحسن صحتها بعد الوضع بل استمرت في التدهور، و هنا كان لابد للزوج أن يجلب لها الطبيب الذى طلب سرعة نقلها الى المستشفى لتلقى العلاج، وبرغم رفضها واعتراضها الظاهر على قسمات وجهها المتعب، الا أن زوجها لم يعبأ لرغباتها هذه المرة، وهناك مكثت بضعة ايام تصارع الاعياء بعد تأخرت حالتها الصحية كثيرا، الى أن اسلمت الروح، وتركت خلفها زوجها مشدوها غير مصدق لما آلت اليه الامور، فكأنما فقد القدرة على الكلام والادراك بعد أن ضاعت بوصلته في الحياة، وبعد انتهاء الاجراءات المعتادة فى مثل هذه الامور، وانصراف آخر المعزين عنه، جلس وحيدا صامتا فى نفس المكان الذى اعتاد الجلوس فيه وظل ينظر الى مكان جلستها المعتاد، الى ان غلبه النعاس من التعب والارهاق، وفى الصباح استيقظ نشيطا كعادته، يدندن مع صوت الراديو، ويرتفع صوته فقط وهو يطلب الافطار من زوجته الشاويش “عطيه”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى