أخر الأخبار

عندما يصبح “المعلم” البلطجي رمزاً للشجاعة والمرؤة والإقدام .. يبقي علي الله حكايتنا

البلطجة تهدد أمن وحياة المصريين

كتب: محمد يونس

في بداية الأمر قبل سنوات ليست بقليلة، استغربنا ما يجري من “نشاز” في تصرفات إجتماعية تتسم بالعدوانية والتهديد لحياة مواطنين بشكل مباشر، وكنا نتوقع حينها بأن المسألة ليست أكثر من نزوة عابرة وسيعالجها قانون العقوبات، غير أن تقديراتنا كانت خاطئة بعد أن اتسعت بعد ذلك دوائر العنف الإجتماعي في مجتمع اتسم بالأمن والإستقرار.

ما يجري حالياً في المجتمع وصل حد “القلق” بسبب ما اَلت إليه أوضاع بعض الجوانب الإجتماعية وغياب الأمن المجتمعي، وإنتشار سريع لمفاهيم غريبة علي المجتمع تستند علي “البلطجة” تستخدم كل أدوات السلب والنهب والايذاء وربما وصل بعضهم إلي حد “البلطجة المنظمة”، وهذا أمر مقلق أكثر.

لا نحتاج إلي تضخيم بعض الظواهر وتكبير الملاحظات التي تمر في تفاصيل يومياتنا وعلي الشريط الإخباري لوسائل إعلامنا، أو ما تتناقله الصحف حول وقائع لجرائم البلطجة وتهديد الأخرين ربما في وضح النهار، والإعتداء والإيذاء وإلحاق الضرر بأموال الأمنين، ولكن الشعور العام يشير بأنها بدأت تنمو وتكبر.

لو القينا نظرة من الداخل للواقع الاجتماعي وما يتناقله الناس في المجالس، لخرجنا بملاحظات ذكية وفي منتهي البساطة، بأن ثمة خلخلة إجتماعية تحدث في حياة الأمنين علي يد “البلطجية”، ولم تتمكن النظم القانونية إلي الأن من ردعهم أو وضع حد لبلطجتهم .. فهل ثمة عجز أمام هذا المشهد أم أن هناك تراخياً في تطبيق القانون؟.

إرادة القرار الأمني وقدرته علي التمييز بين المحترم والبلطجي، هي الكفيلة بوضع حد لهذا “الفلتان” العابث بأمن المواطنين من قبل قلة غير قادرة ولا هي تجرؤ علي المساس بهيبة الدولة أو القانون.

نخشي كإعلام أو مجتمع أن تتمدد هذه الممارسات، وتتحول إلي ظاهرة تسئ للأمن الإجتماعي المصري من الداخل والخارج، وتتحول المشكلة إلي أكبر من مجرد فئة من الخارجين علي القانون، لتصير عملاً منظماً يستهدف الدولة وأمنها، لأن “الميلشيات” التي تتصرف كدولة داخل الدولة، لا تقيم وزناً لدولة القانون والمؤسسات، وتصر علي أخذ “القانون بيدها”، أو بشكل أدق بأسلحتها النارية والبيضاء.

يبدوا أن ثمة “تراخي” في تفعيل القانون بقوة علي هؤلاء، أو عدم أخذ الأمر علي محمل الجد، وفي كلا الحالتين لابد من التنبه إلي مسألة في غاية الأهمية بأن أكثر ما يسعي إليه الإنسان في أي مكان هو الأمن والاستقرار وأن ينام الليل دون أي قلق أو هواجس مخيفة، فيكفي الغالبية التي تعيش في منظومة إقتصادية غير مستقرة من أحلام مزعجة تندس تحت وسائدها.

علي أصحاب القرار أهمية النظر إلي أن ثمة مخاوف إجتماعية من تمدد هذه الظاهرة بشكل متسارع، والعمل علي أهمية تمتين العلاقة بين الدولة والمواطن وسيادة القانون، لأن ما يحدث من إنفلات أمني يبعث الشك بأن جهات تقف خلف إفتعال مثل هذه الحوادث التي تتناقض مع مبادئ دولة القانون.

والحديث عن البلطجة يجعلنا نرجع إلي الخلف قليلاً وتحديداً عام 2018 حيث أصدرت وزارة الداخلية تقريراً عن معدلات الجريمة في مصر، وأرجع التقرير أسباب إرتفاع معدلات الجرائم إلي أنتشار الأسلحة النارية، والإفراج عن عدد كبير من العناصر الإجرامية، وشيوع ظاهرة العنف الإجتماعي، وتطرق التقرير أيضاً إلي إرتفاع معدلات الجريمة في مصر خلال السنوات الماضية، حيث احتلت مصر المركز الثالث علي مستوي الوطن العربي.

وهنا يحضر في الأذهان “المعلم” الذي أدين في جرائم حيازة أسلحة وأعمال بلطجة، ونال حكماً بالسجن 25 عاماً، قبل أن يصدر عفو عنه في مارس 2018 ضمن 331 من المحكوم عليهم في قضايا أخري، وتم تكريمه في العام التالي من إحدي منظمات المجتمع المدني، وتحول في غفلة من الزمن من “بلطجي” إلي أفضل شخصية مؤثرة لعام 201 ، ولم يحرك خبر تكريمه ساكناً في أجهزة الدولة المعنية وتحديداً وزارة التضامن الإجتماعي المسؤولة عن الواقعة بشكل مباشر.

ولم تحرك عاصفة الغضب علي مواقع التواصل الإجتماعي حينها، المسؤولين بالدولة من قريب أو بعيد وكأنهم غير معنيين بالأمر، أو أن صورة تكريم “المعلم” التي ملأت فضاء الإنترنت لم تصل إليهم بعد.
علامات إستفهام عريضة وسط حالة من إزدواجية المعايير بشأن علاقات “المعلم” مع البلطجية قبل 25 يناير، وسقوط إمبراطوريته بعد القبض عليه في قصره الفخم الذي يعيش فيه بين خمسة أسود وستة من الكلاب المفترسة، وكان يخبئ داخله كميات كبيرة من الأسلحة المتنوعة الخفيفة والثقيلة، وقيل أنه خبأ كميات مماثلة من الممنوعات بأنواعها المختلفة.

فكيف يرجع تقرير وزارة الداخلية إرتفاع معدلات الجريمة في مصر إلي الإفراج عن عدد كبير من العناصر الإجرامية ويتغافل عن تكريم هؤلاء العناصر؟

الكارثة الأكبر أن المنظمة التي تتبع مسؤوليتها إحدي وزارات الدولة وتحديداً وزارة التضامن الإجتماعي، لم تكتف بإعلان تكريم “المعلم” بل نشرت إعلاناً يستفز العامة وقالت: درع الشهامة والمرؤة والشجاعة والإقدام للمصري الإنسان “المعلم” تفخر المنظمة بأن تهديكم درع الرجولة والشهامة والمرؤة كأفضل شخصية لعام 201 لما قدمتوه للوطن وللمجتمع من خدمات كانت سبباً في الحفاظ علي حقوقهم وأموالهم وممتلكاتهم من الضياع، أصبحتم سفيراً وعنواناً ورايه وعلم للرجولة في ثوب الإنسانية وللشهامة والمرؤة في ثوب الشجاعة والإقدام فصنعتم من اليأس أملاً لناس تبدد أمامهم الخوف والخطر.

فبين ليلة وضحاها تحول “المعلم”، بقدرة قادر إلي رجل المجتمع الأول، ويطل علينا في ثوبه الجديد، رمزاً للشهامة والمرؤة والاقدام، وبظهور متكرر وملفت لأنظار الجميع، ما بين حفلات لبعض نجوم الفن وجلسات صلح، والجميع في إستقباله إستقبال الفاتحين وسط مجموعة من الجاردات والخارجين عن القانون.

ولم يكتفي بهذا بل وصل الأمر إلي الظهور من خلال حسابه الشخصي علي “الفيس بوك”، بصحبة فنان شعبي شهير وهما يحملان ثعباناً ضخماً، وكأنها رسالة موجهه إلي الجميع إلي عودة “المعلم” إلي عرينه من جديد وسط مجموعة من الأشياء المفترسة.

محاولاته المستمرة وظهوره المتكرر في المناسبات العامة والخاصة، في ظل تجاهل وغفلة تامة من أجهزة الدولة المعنية من عودة أخطر خطير للمشهد من جديد، مما يعيد للأذهان ترك الحبل علي الغارب لمثل هؤلاء لتشكيل مجموعات إجرامية جديدة يعيثون في الأرض فساداً، ويصبحون دولة فوق دولة القانون، ويتحكمون في الشارع ويجبرون الغلابة علي الخضوع والخنوع لقوانين دولتهم، بالإبتزاز وفرض الإتاوات، ومن يبدي رأياً معارضاً أو تذمراً، فمصيره القتل والسحل والخطف والإغتصاب.

تغلغل وإزدياد نفوذ دولة بلطجية “المعلم” خطر داهم علي النظام، تفوق خطورته، ما ترتكبه الجماعات الظلامية من جرائم إرهابية، وسيتوحش حتي ينقلب من جديد علي دولة القانون، وعندها لم تتمكن المؤسسات الأمنية من كبح جماح المخاطر الجسيمة للبلطجية، وستخضع لإبتزازها وقوانينها الإجرامية، وهنا بداية الفوضي الحقيقية.

غياب الإرادة في مواجهة البلطجية إنما يمثل كارثة، وسنجد سقوطاً للأبرياء ضحايا لهذه الدولة الخارجة عن القوانين والأعراف، كما تدفع الشرفاء إلي الكفر بدولة القانون، وهنا الأمر يتحول إلي فوضي عارمة.

فخامة الرئيس أمن وأمان المواطن يحتاج إلي تدخل فوري من سيادتكم، حياتنا أصبحت في خطر داهم، والقلق ينتاب قلوبنا والألم والخوف إلتهم أجسادنا، والفجوة أصبحت كبيرة بيننا، وتكريم “البلطجية” يصدر لنا الإحباط نحن ومن حولنا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى