دكتور محمد البحر يكتب……لقاح فيروس كورونا فى ظل التحالفات الكبرى لشركات الأدويه

 

على الرغم من التقدم العلمي في مجالات التكنولوجيا الحيوية والصناعات الدوائية؛ إلا أن تطوير لقاح لفيروس “كورونا” لم يتم بالسرعة ذاتها التي ينتشر بها الفيروس على المستوى العالمي، إذ لا تزال الشركات الكبرى للأدوية ومؤسسات البحوث والتطوير في المراحل الأولية لعملية التطوير، وهو ما يرجع إلى التكلفة المادية الضخمة وحسابات الربحية لدى بعض الشركات، والاحتياج إلى إجراء تجارب واختبارات متعددة قبل طرحه للتداول، فضلًا عن الحاجة لبناء شبكات تعاون بين المؤسسات الرسمية والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية في الداخل، وتعزيز التعاون بين الدول بهدف تطوير اللقاح والتصدي لانتشار الفيروس.

تحالفات عديدة شهدتها الساحة الدوائية العالمية خلال الفترة الماضية بين عدد من شركات الأدوية لمواجهةجائحة كورونا،وتهدف تلك التحالفات إلى إنتاج كميات هائلة من الجرعات، سواء من العلاج أو اللقاح بمجرد انتهاء التجارب عليه، حيث كشف تقرير لوكالة بلومبرج أن شركة استرازينيكا المصنعة للقاح جامعة أكسفورد قامت باتباع نهج أولي تجاه شركة الأدوية المنافسة جلعاد بشأن الاندماج المحتمل لتكون أكبر صفقة بين شركات الأدوية.

الجدير بالذكر أن شركة استرازينيكا، والتي تبلغ قيمتها 140 مليار دولار أمريكي، أكبر شركة تصنيع أدوية في المملكة المتحدة من حيث القيمة السوقية، حيث سبق لها تطوير علاجات للحالات من السرطان إلى أمراض القلب والأوعية الدموية.

 أما جلعاد، والتي تبلغ قيمتها 96 مليار دولار فهي مالك دواء حصل على موافقة الولايات المتحدة للاستخدام مع مرضى كورونا وهو دواء ريمديسفير، والذي تمت الموافقة على استخدامه بنطاق موسع بالعالم لعلاج مرضى فيروس كورونا.

ومن الجدير بالذكر أيضا أن مؤسسة بيل وميلندا جيتس واثنتين من المؤسسات الخيرية الكبيرة الأخرى تعهدتا بتقديم 125 مليون دولار للمساعدة في تطوير علاج لفيروس “كورونا”بحلول الصيف.

وعلى الرغم من التطورات التكنولوجية الرائدة وتعدد المساعي الدولية يواجه تطوير اللقاح تحدياتٍ جمة، ومن أهمها:

 القيود المالية: لا يمكن المضيّ قدمًا في لقاحٍ فعليٍ دون إجراء اختباراتٍ سريريةٍ مكثفةٍ، الأمر الذي يتطلب تصنيع اللقاحات ومراقبة النتائج بدقة. وقد يكلف ذلك في نهاية الأمر مئات الملايين من الدولارات.

ولطالما كان إنتاج اللقاحات مرهونًا باستثمار بعض من شركات الأدوية العالمية العملاقة (مثل: فايزر، وسانوفي، وجونسون آند جونسون، وميرك آند كو)، وهي الشركات التي قد يتبادر إلى الذهن تهافتها على إنتاج لقاحٍ لفيروس “كورونا”، بفعل ارتفاع الأرباح المرجوة منه لتصل إلى ملايين الدولارات. غير أنه لا يزال يتزايد تخوف الشركات الكبرى العاملة في المنتجات الطبية من الإنفاق على إنتاج لقاح لمواجهة كورونا الذي قد يظهر بعد تراجع الفيروس عالميًّا ومن ثم تَعَرُّضُهم لخسائر كبرى. حيث تفضل عددٌ من شركات الأدوية استثمار مواردها في عقاقير مربحةٍ اقتصاديًّا، مثل مسكنات الألم.

فإذا تلاشت حالة الضرورة الملحة، قد يتوقف العمل على اللقاح وتتراجع جدواه الاقتصادية. فقد يعني المنتج الجديد خسائر فادحةً، خاصةً إذا تلاشى الطلب عليه.

وهذا بالمناسبة ليس سلوكًا جديدًا، فقد كان هناك تجاهل شبه تام من قبل شركات الأدوية الكبرى للأوبئة الفيروسية التي ظهرت فجأة خلال العقدين الماضيين. فمن بين فيروسات “سارس” و”ميرس” و”إيبولا” و”زيكا” وهذا بالضبط ما حدث خلال أزمتي فيروسي “سارس” و”ميرس” اللذين ينتميان إلى عائلة كورونا الفيروسية، حيث توقف العمل على تطوير لقاحات لهما بمجرد انتهاء الأزمة بعد عدة شهور.

 

 ولم يتم تصنيع سوى اللقاح الخاص بفيروس “إيبولا” والذي تمت الموافقة عليه العام الماضي، ومن غير المرجح أن يحقق هذا اللقاح أي أرباح للشركة المطورة له.

 

والسؤال الآن: هل يمكن أن توقف شركات الأدوية الكبرى فجأة تطوير لقاح كورونا؟ هل يمكن أن يتوقف العمل عليه في أي لحظة إذا ما انحسرت رقعة انتشار الفيروس بما يهدد أرباح الشركات؟

 

هنالك 7.8 مليار شخص في العالم ربما تحتاج غالبيتهم إلى اللقاح. وتستميت الحكومات في البدان كلها لإعادة فتح اقتصاداتها. فتخيلوا وجود احتكار قانوني تحظى به شركة خاصة لإنتاج اللقاح، وفرض سعر له وفق ما يناسبهاإذا لجأت إلى أساليبها المعهودة، المتمثلة في التهديد بسحب حقوق “البحث والتطوير” من بلدٍ ما أو بوقف الاستثمار فيه”

تخيلوا حجم الأرباح المنتظرة التي يمكن أن يدرها لقاحٌ لفيروس كورونا.يمثل الأمرحلماً ذهبياً للمديرين التنفيذيين لشركات الأدوية.

هل سيتحقق الحلم الذهبي لشركات الأدوية في الربح؟ هل يمكن للقاحٍ أن يغدو المصدر الأكبر للأرباح في تاريخ شركات الأدوية؟ أم ستمنح شركات الأدوية نفسها فرصة لخدمةَ البشرية، عبر التزامها اليوم بجعل لقاحات أو أدوية فيروس كورونا كلها، متاحة عالمياً بأسعار تجزئة غير ربحية.

وإن حدث هذا، هل سيُلحق ذلك الأمر ضرراً في حوافز إجراء الأبحاث على الأدوية، ما سيجعلنا أسوأ حالاً ربما في المدى البعيد؟ وقد تراكمت أدلة حتى قبل تفشي وباء كورونا، على عدم فاعلية نظام الملكية الفكرية المُتبع في مجال الأدوية، في تحفيز الأبحاث، وإنه يمنح أرباحاً ضخمة لشركات الأدوية التي تعتمد بصورة متزايدة على الأبحاث الأساسية المُمولة من القطاع العام.

هل يعيد وباء “كوقيد 19” التوازن الواجب بين الأرباح الخاصة والمصلحة العامة، خاصـة إذا تعلق الأمر بأدوية تنقذ حياة البشر.

دكتور محمد البحر/ مدير ادارة التدريب والتطوير لمجموعه شركات سيجما للصناعات الدوائيه

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى