البشمهندس أيمن يكتب ….مجرد.. جسد ..

البشمهندس أيمن يكتب ….مجرد.. جسد ..
بينما كنت أعبر الطريق متجها الى منطقة السوق فى مدينتنا الصغيرة استوقفنى أحد الاصدقاء القدامى القليلين الذين مازالو يعيشون فى مدينتنا ولم يرتحل منها كحال معظم زملاء الزمن الجميل وقد أصر صديقى على أن يصحبنى الى المقهى المعتاد ليستشيرنى فى بعض الامور الفنية الخاصة بمنزله وعندما وصلنا الى المقهى سرعان ما تركنى وقام مسرعا ليلقى التحية على بعض بلدياته القادمين من قريته لبعض شئونهم بالمدينة وأثناء ذلك وقع نظرى على رجل غريب يبدو فى العقد السادس من عمره يجلس وحيدا رث الثياب وشعره متطاير وقد كساه البياض ولحيته غير مرتبة .. والى هنا والامر قد يبدو عاديا للبعض.. ولكن ما أسترعى انتباهى هو أنه يدخن السجائر بشراهة عجيبه ولا يكاد يصبر أن تنتهى السيجارة التى فى يده بل يسرع فى اشعال اخرى.. وهكذا حتى قاربت علبة السجائر التى أمامه على المنضده على نهايتها … أخذت أتأمل المشهد فالرجل لا يتكلم ولا يلتفت لأحد بل ينظر الى الارض ويتمتم ببعض الكلمات الغير مفهومة .. ويسابق الزمن فى سرعة الانتهاء من علبة السجائر…تركت مقعدى وجلست على مائدة أخرى بجواره لأرى الرجل عن قرب وقطع تأملى للمشهد صديقى الذى حضرت معه الى المقهى وقد علا صوته ينادينى ولكنى أشرت له لكى يأتى الى المكان الذى انتقلت اليه , وعندما رأى الرجل الذى انظر اليه…أشار اليه قائلا .. ايه ياهندسه انت مش عارف الرجل ده مين ؟؟؟ فقلت.. لا … مين ده ؟؟ فقال لى.. ده فلان اللى كان زميلنا فى المدرسة الثانوية .. مش فاكره ؟؟؟ وأخذت أعتصر ذاكرتى الضعيفة لأتذكره .دون جدوى …وقلت له.. الحقيقة ..شكله مش غريب على ..لكن ايه حكايته ؟؟؟ فقال صاحبى …الدنيا مش سايبه حد فى حاله…,
تعال نسلم عليه واقتربنا منه ..أهلا.. فلان ., أخبارك ايه ؟؟ فاكرنا ..؟؟
..الغريب أنه تذكرنا فورا ..بل اكثر من ذلك ذكر اسمينا كاملين .. وان كان كلامه متقطع وصوته خافت وعيناه مازالتا تنظران الى الارض وكانه يبحث عن شئ ما .. ولم أتـنبه الى محاولات صديقى وهو ينبـهنى الى ان انهى اللقاء ولا اطيل معه فى الحديث .. وسألته انت بشتغل فين دلوقت واخبار الدنيا معاك ايه ؟؟ وهنا تغير وجه الرجل وأخذ ينظر الى بحده وقال …موجها كلامه لى . ..انت مين ؟؟؟… أجبته مندهشا من تغير حاله .. أنا فلان ….انا لسه حالا .. بتكلم معاك وقلت لى اسمى بالكامل ..ولكنه أستمر ….يكرر السؤال بشكل عصبى ولا.. ينتظر الاجابة بل تملكته رعشة فى يده وقد بدأ صوته يعلو وان كان مازال متقطع وتجمد فى مكانه .. ولا يتوقف عن السؤال ..وعن النظر الى الارض …و صحبنى صديقى من ذراعى بسرعه من أمامه .. وذهبنا نجلس بعيدا عنه وهو مازال على حاله والغريب أن جميع من حوله لم يلتفتوا اليه وكأن الجميع اعتادوا منه على هذا التصرف وعلمت بعد ذلك أن حياته توقفت عند حد معين اثر حادثة مروعة أودت بحياة اسرته وتركته وحيدا وصارت حالته تنحدر سريعا حتى وصلت الى الحالة التى رأيته عليها فهو يرفض أن يستمر فى الحياة بعدهم ويرفض أن يسأله أحد عن حياته الآن ..فهو لم يعد يرى حياته بعد ما فقد حياته معهم …وقال صاحبى الم اقل لك الدنيا مش سايبه حد فى حاله…قلت له : معك حق…المسكين توقفت حياته لحظة أن تركوه ورحلوا … لقد تركوه ..بلا عقل.. وبلا روح…مجرد جسد غير عابئ بالحياة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى