أشرف عبد الله يكتب: عزيزي ملك الموت

عزيزيملك الموت

بقلم الكاتب/أشرف عبد الله

 

دفن رأسه بين ركبتيه و غطاهما بزراعيه ، عله يستريح و لو قليلا من عناء مشاكله التي تكالبت على ما بقى من صموده واتزانه …..
داخل تلك العتمة مرت مشاكله أمامه واحدة تلو الأخرى كشريط سينمائي كئيب الألوان و الصور ….
• زوجته مريضة ، وتحتاج لأشعة وتحاليل عدة لمعرفة السبب وراء ذلك الألم الذى يراودها نهاية كل ليلة .
• ابنه الأكبر الذى دخل معترك الثانوية العامة ، بدا غير مبالي بما يحدث من حوله .
• ابنه الأصغر مستواه العلمي لا يبشر بالخير ، لا يحب إلا اللعب واللعب ثم اللعب .
• أقاربه في خلاف دائم ، ودائما ما يطلبونه لردم تلك الفجوات التي حفروها بينهم . وكلما ردم واحدة حفروا بعدها أخرى وأخرى .
• زميله في العمل الذى يغار منه ومن نجاحه وحب الآخرين له ودائما ما يحاول الوقيعة بينه و بين زملائه ومرؤوسيه .
• شيء ما بدأ يتحرك في داخله نحو زميلته ( الجميلة المتزوجة ) في العمل و لا يستطيع وأده كلما حاول ذلك .
• ثم المتطلبات المالية التي تتصاعد يوما بعد يوم و التي لا تتناسب مع الزيادات الضئيلة التي تقوم بها الحكومة للمرتبات بعد أن تملأ الدنيا ضجيجا وكأنها ( تعاير ) موظفيها بما تفعله لهم .
سمع وهو في أعماق غفوته أصوات أبنائه يتشاجرون على ( ريموت التليفزيون ) كل منهم يرغب في مشاهدة ما لا يحبه الآخر . لم تكن لديه القدرة على (الزعيق و الضرب ) كل ما فعله أن أغلق عينيه أكثر وأكثر عله لا يسمع و لا يرى بعد أن أصبح غير قادر على الكلام .
ظل في وضعيته تلك فترة طويلة لا يعرف لها طولا و لا يرى لها نهاية حاول النوم فيها مرارا و تكرارا بكل السبل ، لا فائدة . قرأ القرآن . دفع التفكير في المشاكل بعيدا . حاول التفكير فيمن يحبها . لا جدوى . فحتى التفكير فيها مشكلة …!!!
وبينما هو كذلك أغمض جفنه رغما عنه وغاااااااااب …….
بعد لحظات سمع صوتا غريبا . كأنها خطوات تقترب . عدل رأسه و نظر أمامه فوجد شخص قادما من بعيد ، تتضح ملامحه رويدا رويدا ، كالملائكة بلباس أبيض ،جميل الطلعة ، باسم الوجه ، ملامحه مألوفة كأنه جده الغائب منذ سنوات ( على حين غرة بمرض لم يعطهم الفرصة حتى ليتعرفوا عليه ) أو كأنه معلمه القدير الذى ترك البلدة و سافر وأخذ كل منهما معه قاموس النصيحة الحقة الخالصة ومعجم كلمات التهدئة و عبارات التشجيع وأرقام آيات الهدوووء و السكينة ( هكذا هم الطيبون …. يرحلون )
نهض من وضعيته تلك و اقترب منه وسأله :
• هل أعرفك
• وهل سيحدث ذلك فرقا ؟!
• ماذا تريد منى إذا ؟
• أريد راحتك .
• ههههههههههههههه راحة … ؟!!! أي راحة تلك في ظل كل ما أعانيه ؟
• وهل وحدك من تعانى ؟
• نعم لست وحدى ولكن الحمل ثقيل ولم أعد أستطيع المقاومة ؟
• ما مشاكلك ؟
• أولادي ، زوجتي ، زملائي ، أقربائي ، النقووووووود وما أدراك ما النقود .
• أولادك الذين تشكوا منهم هم حلم كل عقيم ، ووظيفتك حلم كل عاطل ، و مرض زوجتك ابتلاء بنهايته خير ، وغيرة زملائك ضريبة الناجح ، وحبك الزائف هاجس شيطانى تستطيع مقاومته . أما النقود فلعل في قلتها خير أنت لا تدركه .
• كلام …. الكلام سهل
• إذا أطلب وأنا طوع أمرك ، يمكنني أن أخلصك من كل مشاكلك تلك في لحظة ؟
• لحظة ؟!!!
• أجل في لحظة …. ولكن عليك أن تتحمل التبعات
• أي تبعات تلك طالما لا توجد مشاكل . خلصني منها وأنا على استعداد لتحمل كل شيء مهما كان .
• تذكر أنى قد حذرتك .
……..
……..
……..
فاق لحظيا من غفلته ، فرك عينيه ثم نهض ، فتح باب غرفته وجد ما لم يكن يتوقعه ……
• ابنته الوسطى تمسك كتابا و تذاكر لابنه الأصغر و هو منسجم معها و يردد ورائها باستمتاع بل و يسبقها أحيانا في الهجاء و القراءة .
• ابنه الأكبر ، صوته مسموع من داخل غرفته يذاكر و بجدية . رن هاتفه و اذا به يقول لصاحبه ( راجعت كل المواد وتقريبا مفيش حاجة مش واضحة بس بأكد على المعلومات مش أكتر ) …..!!!!
• تمالك نفسه و شعر بألم بسيط في حلقه من هول ما سمع . دخل المطبخ وجد زوجته تتراقص قليلا و هي تعد الطعام .سألها عن السبب فقالت : أنها ما عادت تشعر بأي ألم نهائيا و أنا كل ما كانت تشعر به مجرد أعراض لحالات الضغط النفسي التي تعرضت لها بسبب الأولاد ومتطلباتهم أما هي الآن ( فعادت كيوم عرسها ) .
• ملأ فمه بالماء المثلج ثم ابتلعه دفعة واحدة مع دق جرس الباب . ذهب وفتح فوجد ابن عمه الأكبر ، بعد الاستئذان والدخول والواجب اللازم أخبره أن العائلة ملت من كثرة الخلافات والمشاحنات و عقدوا جلسة صلح ليلة أمس تصالح فيها الجميع و ذابت كل الخلافات و يدعونه الليلة لحضور حفل بسيط بتلك المناسبة .
• خرج ابن عمه و دخل هو في الغرفة و انتظر قليلا ثم قال في نفسه بقى العمل و ما فيه . اخرج هاتفه و اتصل بصديقه الصدوق في العمل الذى قال له وبسرعة :
( والله ابن حلال أنا لسة كنت هكلمك / خير / فاكر صاحبك اللي كان حاطك في دماغه / أيوة ماله / جاله عقد عمل بره و بكرة هيقدم على أجازة بدون مرتب هو وزميلتنا فلانة اللي قررت انها تقعد في البيت عشان جوزها وولادها . )
• أغلق الهاتف و شرد قليلا ، قاطعه صوت رسالة على هاتفه ( مسابقة الحلم تهنئك لقد ربحت 100 ألف دولار و سيتصل بك مصطفى الأغا الليلة كن مستعدا )
لم يتمالك نفسه من الفرحة و بدأ يستوعب ما حدث رويدا رويدا . توضأ و صلى ركعتين شكرا لله ، ثم غلبه النعاس مرة أخرى.
وضع رأسه على وسادته وأغمض عينيه برفق بعد أن أخذ نفسا عميقا . للمرة الأولى سينام دون أن يفكر في أي شيء ، لقد حلت كل مشاكله و سيعيش من الآن كما يحب و يبغى . ما هي إلا لحظات حتى وجد أمامه ملكا آخر في انتظاره شكله غريبا نوعا ما ….
• من أنت ؟
• أنا تبعات ما حدث .
• تبعات ما حدث ….!!! لست أفهم ، من أنت ؟
• أنا ملك الموت ….
• أصيب بالذهول و ارتجف في مكانه و قال بلهجة متقطعة : هل حان يومي ؟
• أنت من استعجلته .
• أنا ؟!!! كيف ذلك ؟ هناك أشياء كثيرة لم أفعلها بعد ، أنا ما زلت صغيرا و لم استمتع بحياتي بعد ، خصوصا و هي مرتبة و بدون مشاكل .
• دورك في تلك الدنيا كان حل كل تلك المشاكل التي كانت تلاحقك وبعد أن تم حلها لم يعد لوجودك داع . فهيا إلى جوار ربك .
• أليس في هذا ظلما لي ؟!!! كيف لا يوجد في حياتي سوى المشاكل فقط ؟
• ” وخلقنا الانسان في كبد ”
• أين متعتى و راحتي ؟
• أنت من رفضت الاستمتاع بها
• كيف ؟
• كان لزاما عليك أن تعيش في وسط تلك المشاكل . أن تستمتع . أن ترضى بما قسمه الله لك ، وتعتبرها جزءا من حياتك ، مهمة عليك أن تنجزها . و بينما أنت كذلك كان يجب عليك أن ترضى و تحتسب و تمرح وتستمتع وتمتع من حولك . ربك كان يريد أن يرى علامات الرضا على وجهك ، على تصرفاتك ، على انفعالاتك ، وانطباعاتك ، لكنك – للأسف – تركت كل ذلك وعشت واجما عابثا منتظرا أن ينتهى كل ذلك ثم تستمتع بعدها الدنيا ليست هكذا المتعة تكمن بين ثنايا هذا كله أما المتعة التي تنظرها أنت فهي في الآخرة فقط .
شعر برعشة شديدة في جسده ، و ضربات قلبه تزداد بتسارع كبير ، حتى كاد يلفظ أنفاسه من شدتها ، ثم استيقظ فجأة وكأنه سقط من قمة جبل ، نظر حوله و وجد نفسه جالسا على هيئته الأولى رأسه بين ركبتيه .
حمد الله ووقف منتصبا متأهبا مستعدا حامدا شاكرا مبتسما و خرج من غرفته ينصح أبناءه بالمذاكرة و يواسى زوجته المريضة و يتأهب ليصالح أبناء عمومته حتى يذهب للعمل باكرا ليتعامل بطريقته مع زميله الحقود و يرى – من بعيييد – زميلته الجميلة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى