محمد عبد الجواد يكتب …. قراءة فى نتائج الانتخابات التشريعية.. رهان التحالفات يحسم مستقبل تونس!!
محمد عبد الجواد يكتب …. قراءة فى نتائج الانتخابات التشريعية.. رهان التحالفات يحسم مستقبل تونس!!
فرضت نتيجة الانتخابات التشريعية التونسية تحديا جديدا أمام التوانسة الذين يجاهدون لاستعادة حياتهم الطبيعية منذ أكثر من 8 سنوات مرت على انفجار ثورة الياسمين وأدخلت البلاد فى أمواج متلاطمة من الصراع السياسى بين أبناء الوطن الواحد إما بفعل التجاذب الحاد بين الجميع أو بنيران تذكيها بعض الأطراف الخارجية التى لا تريد أن ينعم البلد الوديع بهدوئه المعتاد، حركة النهضة بزعامة راشد الغنوشي جاءت في الصدارة واقتنصت 52 مقعدا،تبعها حزب «قلب تونس» الذي يتزعمه مرشح الرئاسة المفرج عنه من السجن نبيل القروي بـ 38 مقعدا، ثم حزب التيار الديمقراطي 22 مقعدا، يليه ائتلاف الكرامة 21 مقعدا، فالحزب الحر الدستوري17 مقعدا،وحركة الشعب 16،ثم حزب «تحيا تونس» الذي يتزعمه رئيس الحكومة يوسف الشاهد بـ 14 ثم قائمة مشروع تونس بـ 4 مقاعد ثم قوائم اخرى بـ 33 مقعد.
النتيجة بقدر ما أفرزت تصدر حركة النهضة إلا أنها صدمتها لأنها لن تمكنهم من تشكيل الحكومة منفردين ولابد من الدخول فى تحالفات مع أحزاب وقوائم أخرى لضمان الأغلبية التى تتيح لهم تشكيل الحكومة وفى الغالب سيكون هذا التحالف هشا وعرضة للانهيار فى أى لحظة وهو ما سيدخل البلاد فى جو من التوتر والالتهاب السياسى المزعج للجميع.
حزب قلب تونس صاحب المرتبة الثانية بـ 38 مقعد استبعدت قيادته التحالف مع النهضة،لتشكيل الحكومة،وفى نفس الوقت رفضت أحزاب الدستوري الحر والتيار الديمقراطي وحركة الشعب، الحاصلة على 55 مقعدا الدخول في تحالف مع حركة النهضة، وهو مايعقد فرص تشكيل ائتلاف حكومي حيث تحتاج أي حكومة إلى ١٠٩مقاعد كحد أدنى لتأمين نسبة 50% + 1 الازمة لنيل الثقة.
وينص الدستور التونسي على تكليف رئيس الدولة الحزب أو الائتلاف الانتخابي الفائز بتشكيل الحكومة، خلال أربعة أشهر، على أقصى تقدير، ويحق له بعدها حل مجلس النواب وإجراء انتخابات جديدة، وفى حال انقسام البرلمان إلى كتل صغيرة ستزداد المخاوف من إمكانية عدم التوصل إلى تشكيل حكومة في الأجل الدستوري.
الأمر المثير للدهشة فى نتائج الانتخابات هو حزب نداء تونس الذى أصبح أثرا بعد عين وحقق فشلا ذريعا فى الانتخابات بمقعد وحيد فى ولاية توز بالجنوب بعيدا عن معقله الشمالى وهو الحزب الذى شكل ائتلافا واسعا عقب انتخابات مع النهضة٢٠١٤،وحصدا سوية ١٥٥ مقعدا، بجانب٢٣ معقدا إضافيا بعد ضمّ حزبي التيار الوطني الحر وآفاق تونس للتحالف.
حزب النهضة سيكون أمامه شهرين لتشكيل حكومة ائتلافية من خلال إقناع أحزاب وقوائم أخرى بالتحالف معه، وإذا فشل سيكون من حق الرئيس التونسى الجديد أن يكلف شخصا بتشكيل الحكومة وإذا أخفق بعد شهرين سيتم حل البرلمان وسيعود التوانسة إلى ماراثون انتخابى جديد.
حركة النهضة ستواجه مشكلة كبيرة فى نيل ثقة البعض للدخول معها فى تحالفات بسبب تقارب النتائج والتباين الكبير بين الكتل البرلمانية ورفض الأحزاب صاحبة النتائج الجيدة التحالف معها، وبالتالى ستسعى الحركة للتفاوض مع الأحزاب والمستقلين القريبين منه. وهو ما سيزيد من صعوبة وتعقيد الأمر رغم أن حزب ائتلاف الكرامة المحافظ الحاصل على 21 مقعد هو الوحيد الذى أعلن صراحة إنه لا يمانع في التحالف مع النهضة لكنه لا يعطيها الأغلبية اللازمة.
وبقراءة متأنية فى نتيجة الانتخابات سنجد أن حزب النهضة، متصدر المشهد البرلماني بـ52 مقعداً، تقدم في جهات الجنوب الشرقي، وحصد 40% من الأصوات في محافظات قابس وقبلي ومدنين وتطاوين، ليفوز بـ 4 مقاعد من 9 في مدنين، و3 مقاعد في قابس، وفي محافظة تطاوين بمقعدين من 4 مقاعد، ومقعدين في قبلي بالجنوب الغربي ليحافظ على أكبر معاقله، مع تراجع طفيف تمثل في خسارته مقعدا لفائدة قوائم وتيارات إيديولوجية تشاركه الخطاب المحافظ.
النهضة، رغم عدم حصوله على الأغلبية المطلقة إلا انه يعد الحزب الوحيد الفائز في جميع الدوائر الانتخابية الـ33، بما يجعله منفردا في التوانسة في جميع أنحاء العالم، سواء في 27 دائرة انتخابية داخل البلاد، أو دوائر الخارج الست، التي تمثل التونسيين المقيمين في 44 دولة.
حزب النهضة نجح فى اختراق الكتلة الانتخابية المحسوبة على فلول التجمع، بدخول معقل الدستوريين والبورقيببين، في محافظة المنستير، مسقط رأس الحبيب بورقيبة، وتمكن من حصد 17% من الأصوات، ليفوز بمقعدين في محافظات الساحل، «سوسة والمنستير والمهدية»، متقدما على جميع منافسيه، في وقت كانت فيه هذه المناطق في 2014 نقطة قوة حزب نداء تونس والأحزاب الدستورية، التى حصلت على 60% من الأصوات وحازت من 5 إلى 6 مقاعد للدستوريين والتجمعيين.
انحسار الأحزاب الدستورية لحساب النهضة يرجع انفراط العقد الجامع برحيل الرئيس الباجي قايد السبسي، وانهيار حزب نداء تونس، فوجد الناخبون أنفسهم أمام خيارات صعبة وعشرات القوائم تترأسها شخصيات وقيادت سابقة في حزب نداء تونس.
نتائج الانتخابات أفرزت صعودا لافتا للتيار الديمقراطي وحركة الشعب، اللذين استفادا من سقوط وانهيار اليسار التقليدي والراديكالي، وسحب من الكتلة الانتخابية لائتلاف الجبهة الشعبية، الذي كان يضم 15 نائبا في 2014، ولم يمثل فى الانتخابات الحالية سوي بنائب وحيد.
الحزبان نجحا في اكتساح دوائر انتخابية كانت معاقل لحزب العمال والوطد والطليعة ورابطة اليسار العمالي، التي غادرت المشهد البرلماني، مفسحة المجال للحزبين المحسوبين على العائلة اليسارية الاجتماعية، وعلى اليسار الوسطي.
التيار الديمقراطي كان أكبر المستفيدين فى انتخابات 2019 وقفزت حصته من 3 نواب فى 2014 إلى 22 مقعدا ، وبالتالى أصبح رقما صعبا في التحالف البرلماني والحكومي المقبلة، كما قفزت حصة حركة الشعب من 3 نواب إلى كتلة هامة مؤلفة من 16 نائبا.
اللافت للانتباه فى نتائج الانتخابات الصعود البارز للمكونات الانتخابية والأحزاب حديثة العهد التى تمكنت من انتزاع حصة كبيرة خلال الانتخابات، ونجح حزب قلب تونس وائتلاف الكرامة وتحيا تونس، التي تشكلت في الأشهر الستة الأخيرة، من تحقيق نتائج مبهرة.
ونجحت الأحزاب والقوائم الوليدة، في هزيمة أحزاب تاريخية وأخرى تقليدية تاريخها يمتد لعقود من الزمن، مثل حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي وحزب القطب، وحزب العمال الذي تأسس منذ الثمانينيات، والحزب الجمهوري، وحزب التكتل وحزب المؤتمر، التي وجدت نفسها خارج السياق الانتخابي.
المثير للدهشة أن حزب قلب تونس اكتسح الواقع الاجتماعي قبل اكتساح الحزبي، من خلال محافظات الشمال الغربي والوسط الغربي، التي تعيش صعوبات اجتماعية وتفاوتا في مستوى العيش، مقارنة بجهات أخرى، بعدما وجد الناخبون في برنامج تغيير مستوى العيش والقضاء على الفقر والجوع والأمية ملاذا مناسبا، ونجح الحزب حديث التكوين فى التوغل داخل المجتمع التونسى من خلال الجمعية الخيرية والعمل الاجتماعي، انطلاقا من الحضور الإعلامي، وتغلغل قناة «نسمة» المملوكة لمؤسسه نبيل القروى،بشكل جعله حاضرا في الأذهان.
الصعود البارز للتيار الديمقراطي وحركة الشعب، كان بفعل الاستفادة من سقوط وانهيار اليسار التقليدي والراديكالي، كما أن صعود ائتلاف الكرامة الانتخابي، الذي يجمع خليطا من الشخصيات والمرجعيات المحسوبين على «الثورجيين»، فيما يحسبهم آخرون على التشدد الفكري والإسلام المتطرف، حظي بمكانة هامة لدى الناخبين، وانتزع 21 مقعدا، ليكون القوة البرلمانية الرابعة.