https://www.google.com/adsense/new/u/1/pub-7729647776385016/payments/verification

روعة محسن الدندن تكتب…في محكمة الشعر

روعة محسن الدندن تكتب…في محكمة الشعر

إنه بعد ثلاثين عاما من العمل الشعري يشعر بغبطة غامرة لأنه استطاع أن يرى كيف تتجسد أحلامه القديمة وكيف تتسع قاعدته الشعرية بحيث أخذت القصيدة وللمرة الأولى في تاريخ الشعر العربي شكل الرغيف أو الجريدة اليومية
هذا ما شعر به الشاعر الكبير نزار قباني عندما صدم الناس من خلال ديوانه (هوامش على دفتر النكسة) لأن الناس تعتبر أي خروج عن بلاغة الجاحظ والحريري وعبد الحميد الكاتب هو انحراف عن اللغة الشعرية
لكنه كان مبهورا ومتحمسا لهذه الصيغة اللغوية التي وصل إليها ولم يشعر بالحزن أو آسف على انتهاء مرحلة التطريز والسيراميك في شعره
ولم يكترث للأقاويل ولحزن أصدقائه لأنه أقلع عن ارتداء البروكار الدمشقي (نوع من انواع الاقمشة الدمشقية الغالية الثمن )وارتدى لغة قطنية أقل كلفة وادعاء وأكثر حرارة
فتلك المرحلة المسرفة في تأنقها وجمالياتها قد استنفذت أغراضها وفقدت أهميتها بدخول الإشتراكية وسقوط مؤسسات الإقطاع والطبقية
إن هذا التحول من لغة (طفولة نهد) إلى لغة (هوامش على دفتر النكسة )كان تحولا حتميا تفرضه فيزيولوجية اللغة نفسها ونموها الكيميائي والعضوي
فكل نهار جديد يحمل إلينا لغة جديدة وكل طفل يحمل محفظته ويذهب إلى المدرسة يشكل تحديا حقيقيا للغة أبويه وغرائزهما الكلامية
لقد وصف شاعرنا بأن اللغة كائن حي تشبه كل الكائنات الحية التي تتحرك ولكننا لا نشعر بهذه الحركة كما دوران الأرض
ولتأكيد وجهة نظره ربط هذه الحركة اللغوية مع حوار الأطفال العرب ليكتشف بعد الإستماع لهم كيف تختلف مفرداتهم عن مفرداتنا وطريقة نطقهم عن طريقة نطقنا
والشاعر بحكم تعامله اليومي مع اللغة يستطيع أن يشعر أكثر من غيره بإهتزازات يوما فيوما على أوراقه وإلا كان شاهد زور لا قيمة له في محكمة الشعر
إن الشعراء – لا اللغويين ولا النحاة ولا معلمين الإنشاء – هم الذين يحركون اللغة ويطورنها ويحضرونها ويعطونها هوية العصر
فالجاهلون كتبوا شعرا يشبههم والأمويون كتبوا شعرا يشبههم والعباسيون كتبوا شعرا يشبههم
والخمر هو الخمر ولكن الكؤوس هي التي تختلف
فالعصور العظيمة في التاريخ العربي،اعطت شعرا عظيما وعصور الإنحطاط أعطت شعرا منحطا
وهذه المعادلة تنطبق على الأدب اليوناني والروماني حيث كان الشعر مرتبطا بمساحة الدولة ومساحة طموحهم
فالخطيئة ليست خطيئة الشعر ،وإنما خطيئة من يكتبونه
وعندما وصلت القصيدة العربية إلى اسبانيا كانت مغطاة بقشرة كثيفة بالغبار الصحراوي..وحين دخلت منطقة الماء والبرودة في جبال(سيبيرا نيفادا) وشواطئ نهر الوادي الكبير ..وتغلغلت في بساتين الزيتون وكروم العنب في سهول قرطبة ،خلعت ملابسها وألقت نفسها في الماء …ومن هذا الاصطدام بين الظمأ والري …ولد الشعر الأندلسي…
إنها بكل بساطة دخلت قاعة مكيفة الهواء
والموشحات الأندلسية ليست سوى(قصائد مكيفة الهواء)
هذا تفسير الشاعر نزار القباني على الإنقلاب الجذري في القصيدة العربية حين سافرت إلى اسبانيا في القرن السابع
ومن حسنات الحروب ،إذا كانت للحروب حسنات ،أنها تحدث اختلاجات في قشرة العالم وفي افكاره
إن التجديد في الشعر عملية معقدة ولها أكثر من بُعد واحد،بالإضافة إلى انها ككل عمليات الحمل والولادة خاضعة لعوامل الزمن والتهيؤ
وإن اعطاء الهوية لكل عصر يتطلب شجاعة خارقة في التعامل مع الموروث اللغوي وجراة في كسر جدار الخوف القادم بين المفردات الشرعية واللاشرعية وتحويل كل شيء بما ذلك تراب الأرض إلى شعر
إن إزرا باوند ،وهو أبو مدرسة الشعر الحر وبطريركها،كان ينادي ليعود الشعر إلى معالجة الأشياء المباشرة ،وفي رفض استخدام أية كلمة لا تضيف شيئا إلى بناء القصيدة ،وكان يقول
(إننا نتألم من استخدام اللغة بغية اخفاء الفكر ،وكأن علم البيان هو الشيء الوحيد الذي تمنى إزارا باوند لو أنه قادر على أن يطلق عليه النار)
هذا الفكر والتجديد ربما اتى من خلال انخراط البعض بالثقافات الغربية وللغات المختلفة واستمرار لما بدأ في عام ١٩٢٥م عندما قرر بعض الشعراء الشجعان بالتخطيط للهجوم على قطار الشعر العربي المنهوك ،إلا أن الظروف التاريخية والإجتماعية والثقافية لم تسمح لهم بتنفيذ مخططهم
خطأ كبير ،وخطأ تاريخي ،خطأ أخلاقي،أن لا نضع في قائمة الثوار اسما كإسم إلياس أبي شبكة وخطأ اكبر أن ننسى عند حديثنا عن الثورة والثائرين قامة كقامة بشارة الخوري،وامين نخلة،وصلاح لبكي ،ويوسف غصوب،وسعيد عقل،فوزي المعلوف،وايليا أبو ماضي ونسيب عريضة ورشيد أيوب وعمر ابو ريشة وعلي محمود طه

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى